السؤال المهم هنا والذي يسأله المريض لنفسه ولشيخه ولطبيبه : هل أنا مسؤول عن كل هذا ؛ وهل مازلت مؤمنا بعد كل هذا الذي حدث؟..
وإذا كنت مسؤولا فكيف أتغلب على ما يحدث وقد حاولت مراراً وفشلت؟..
والمريض الوسواسي غالباً يميل إلى أن يلقي بالتبعة على نفسه لأنه يملك ضميرا شديد القسوة يحمله تبعات كل شيء . وهنا يصل إلى نتيجة وهي أنه أصبح خارج دائرة الإيمان . أو خارج دائرة الحلال. أو خارج دائرة الرحمة لأنه لا يستحقها .وكل هذه المشاعر تزيد من حدة أعراض الوسواس القهري . وكثيراً ما تؤدي إلى إصابة المريض بحالة من الإكتئاب تضاف إلى الوسواس القهري. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن
بعض علماء الدين الذين يستشيرهم الوسواسي يجيبونه بما يفيد مسؤوليته عما يحدث ويطالبونه بتصحيح عقيدته ودوام التوبه والاستغفار مما يفكر فيه أو يهم به أو يفعله. فيتوجه المريض نحو نفسه بجرعات أكبر من اللوم .وتتعاظم لديه مشاعر الذنب فيزداد وسواسا ويزداد إكتئابا . وهذا يعكس أهمية أن يعرف علماء الدين طبيعة مرض الوسواس القهري؛ وكيفية التفرقة بينه وبين وسوسة الشيطان.
من هنا تبدو أهمية العودة إلى النصوص الدينية الصحيحة التي تعاملت مع الظاهرة الوسواسية لكي يعرف المريض مدى مسؤوليته أو عدم مسؤوليته عما ألم به . ومن الضروري أن يلم الطبيب النفسي بهذه النصوص ويذكرها لمريضه كجزء من العلاج . وأن لا يكتفي فقط بالعلاج الدوائي
سؤل الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- السؤال التالي : يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصاً في مجال التوحيد والإيمان ؛ فهل المسلم يأخذ بهذا الأمر …. فأجاب فضيتله : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال:” إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها . مالم تعمل أو تتكلم”( متفق عليه) . وثبت الصحابة رضى الله عنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس والمشار إليها في السؤال فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله:” ذاك صريح الإيمان “( رواه مسلم)؛ وقال عليه الصلاة والسلام:” لايزال الناس يتسالون حتى يقال هذا خلق الله فمن خلق الله؟.
فمن وجد من ذلك شيء فليقل آمنت بالله ورسله “( متفق عليه) . وفي رواية أخرى ” فليستعذ بالله ولينتبه” (رواه مسلم) .
يقول النووي: وظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها من غير إستدلال ولا نظر في إبطالها؛
فكأنه لما كان أمراً طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه وأما قوله : فليستعذ بالله ولينته . فمعناه : إذا عرض له هذا الوسواس فيلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك ؛ وليبادر إلى قطعه بالإشتغال بغيره ( انتهى كلام النووي)
وهنا ينبغي التنويه إلى أن دور الشيطان في الوسواس يقتصر على إلقاء الفكرة إلى الموسوس له كما في قوله تعالى :” وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم “( الانفال ٤٨) .
فلو صادفت الفكرة إنسانا سليم الفكر فسوف يتجاهل عقله الفكرة ويطردها بعد الإستعاذة بالله إنسانا سليم الفكر فسوف يتجاهل عقله الفكرة ويطردها بعد الإستعاذة بالله والاستغفار والانتهاء . أما إذا صادفت إنسانا مريضاً فسوف تتضخم وتتكرر وتتسلط وتستحوذ على العقل.
يتبع
د.عبدو حسين عبدالكريم
طبيب أستشاري في الطب النفسي المرضي
Discussion about this post