علم النفس المرضي
الجزء الثالث عشر
تكملة:
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الوسوسة في موضوع الطلاق فقال . رحمه الله .
المبتلي بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد .لان هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة .بل هو مغلق عليه وكره عليه لقوة الدافعة وقلة المانع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :” لاطلاق في إغلاق” فلا يقع منه طلاق اذا لم يرده إرادة حقيقية بطمانية .فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا إختيار فانه لايقع به طلاق ( نقلا عن فتاوي إسلامية ٣/٢٧٧)
وقد كان فريق من العلماء يفسرون الإغلاق على انه الجنون او اي حالة تفقد الشخص القدرة على التمييز او حرية الارادة .والواسوس القهري على الرغم من انه ليس جنونا بالمعنى الدارج الا انه مرض يتميز باقتحام افكار معينة لوعي الإنسان دون إرادة او اختيار منه . وهو يدرك عدم منطقيتها وعدم صحتها ويحاول مقاومتها دون جدوى . وقد يدفعه المرض لتكرار إفعال بعينيها بشكل قهري. ولهذا يدخل في نطاق الإغلاق المذكور فيما يخص موضوع الوسوسة . وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ان الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”. حديث حسن رواه ابن ماجه (20459) في كتاب الطلاق (باب طلاق المكره والناسي) .
وواضح من تكرار رواية هذه الاحاديث بواسطة الكثير من الفقهاء ان الموضوع كان محل تساؤلات من الوسواسيين . وهذا ما نراه حتى الان من عذابات الموسوسين الذين يسالون من حولهم عما إذا كانوا قد تلفظوا بكلمة الطلاق او اي كلمة تشبهها او قريبة الدلالة منها او حتى اي فعل او إشارة ذات علاقة بالطلاق.
ويحاول المريض استفتاء علماء الدين وينتقل من عالم الى أخر ولا يصل لقناعة ابدا . وإذا وجد اي اختلافات بين العلماء جرى وراءها ووسع نطاقها لكي تظل شكوكه حول موضوع الطلاق بلا إجابة.
ومنطقه في هذا الامر انه يخشى ان تكون حياته مع زوجته قائمة على الحرام . وهذا أمر شديد الخطورة بالنسبة له.
وقد يتساءل مريض الوسواس: كيف افرق بين الشيطان وبين الوسواس القهري؛
والاجابة على ذلك هي ان وسوسة الشيطان تكون في أشياء محببة الى النفس خاصة تلك المتصلة بالغرائز والشهوات.
في حين ان الوسواس القهري يكون في اشياء ترفضها النفس وتتالم بسببها ومع هذا لا تستطيع دفعها. وفي حين ان وسوسة الشيطان يمكن دفعها بالاستعاذة فإن الوسواس القهري يعاود الإلحاح حتى مع الإستعاذة .والوسواس القهري مرض يسببه خلل كيميائي في المخ.
ويحتاج الى علاج دوائي وعلاج سلوكي.
وبما ان الوسواس القهري مرض فإن المصاب به يثاب على معاناته في المرض حتى في حالة وجود الأفكار الوسواسية المتصلة بالعقيدة فهو يتألم منها ويحاول الخلاص ولكنه لا يستطيع دون وجود مساعدة متخصصة.
وهذا فرق جوهري كبير بين ان يشعر الوسواسي المريض انه خرج من دائرة الايمان وبين ان يعرف انه في حالة إحتسابه لآلام المريض يثاب عليها من رب رحيم يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
ولا يكلف نفسا الا وسعها.
د.عبدو حسين عبدالكريم
طبيب استشاري في الطب النفسي المرضي
Discussion about this post