نلجئ بين الحين والآخر إلى الماضي القريب منه والبعيد لنشعر بدفء أغلبنا لا يعرف سببه، ولقراءة الماضي قد نزور المتاحف ونستمتع بما نراه من آثار وتحف ولوحات فنية.
وسبب ما نشعر به أثناء زيارة المتاحف أوقراءة الأساطير أن التاريخ يقدم لنا هوية محددة، ونفهم أنفسنا أكثر بفهمنا للمجتمعات وكيف نشأت ومنها مجتمعنا فنتعرف على أنفسنا ونعرّف الأخر بنا.
لكن حين نكتفي برؤية التاريخ على أنه هوية ونعتمد على الماضي وحسب نكون قد تحولنا إلى أحد تماثيل المتاحف، فالتاريخ هو دراسة التغيير على مر الزمن أيضا، لكننا نميل إلى تفادي التغيير ونعتمد تكرار ما كان متبعا حينها و المبني على أفكار ثابتة مما يجعل من تفكيرنا جامدا وعقولنا متحجرة، فنطبق نفس السلوكيات حتى في المواقف المختلفة التي تتطلب سلوكا مختلفا، وذلك لأننا نرى الراحة في التكرار والثبات على ما نعرفه مسبقا.
الراحة في التكرار سببها أن الخوف من الجديد “المجهول” يبقى نائما فلا يزعجنا، أي أن راحتنا مبنية على الخوف من إيقاظ المخاوف التي قد تواجهنا بعد أن عملنا جاهدا على قمعها محولة عقولنا إلى حجر صلب وبالتالي إلى زنزانة نبقى داخلها دون حياة فلا حياة في الحجر.
ولنستعيد عقولنا ثم حياتنا علينا التضحية بالأمان العاطفي المزيف الذي يمدنا براحة مزيفة هي أشبه ما تكون بالموت، وأن نستعد لاستقبال المفاجآت مدركين أن الحياة لا تكون دون عنصر المفاجأة فهو المحفز للاهتمام والترقب والحماس ومن ثم الرغبة بالمتابعة وبهذا نكون قد أمسكنا بدفة قيادة أنفسنا بعد أن كانت تخضع لمجموعة من الأفكار الثابتة والتجارب السابقة.
ليست كل الأفكار القديمة ولا التجارب السابقة سيئة بالتأكيد، لكن وضعها تحت التجربة لنتبين الجيد من السيء في وقتنا الحالي يخلصنا مما يعيق الحركة فيبقينا في سجن مهترئ -أو غير مهترئ- فبعض السجون براقة لكن تذكر أن “ليس كل ما يلمع ذهبا”، بل قد يكون قطعة زجاج مكسورة تتسبب لك بالجروح حتى أدمنت نزيف الدم فبت تجرح نفسك بنفسك.
للتخلص من هذا الإدمان المؤذي علينا أن نعترف أنه كذلك، ثم نتدرب على مراقبة الأفكار وفرزها فنرتفع فوق مستوى الخوف الذي يسد مجرى الإبداع والتقدم، وهذا يحتاج فترة قد تطول أو تقصر بحسب استعدادنا وحفاظنا على التمرين.
ومن طرق التدريب، القبول بفرص تبدو غيرمنطقية لعقلنا المتحجر، مع الانتباه لعدم تبني كل ما هو جديد دون اختبار وتدقيق لأنه بذلك سيتحول إلى حجر أيضا.
حين ننتقل من وعي الحجر إلى وعي الماء تتدفق الوفرة والإبداع و وتتدفق “الحياة” في عقولنا فنذهب لزيارة المتاحف لقراءة الماضي وأخذ العبر والتعرف على البدايات دون أن نعلق بها كي لا نتحول من زوار متاحف إلى تماثيل تسكن فيها.
د.غفران جميل الحمو
نائبة رئيس التحرير / أسرار
Discussion about this post