منذ القدم وأثناء محاولة الإنسان لفهم ما حوله كان هناك توازن بين العلم و الفلسفات الروحية، فاتجه إلى المراقبة والتحليل والتجربة وكذلك إلى ممارسة الطقوس ومحاولة التقرب إلى قوىً يجهلها لكنه يشعر بها، فلا اكتفى بالتجربة والتحليل ولاحتى بالطقوس التي التزم بها وذلك لأنه ذو طبيعة متعددة أي أنه نفس وعقل وجسد.
تقبل العلم للروحانيات يتطلب نقلة في العقلية والنهج العلمي، فقد اعترف بعض العلماء بأن هناك جوانب غير مادية للحياة والواقع لا يمكن تفسيرها بوساطة الأساليب العلمية التقليدية، ومن هنا كان دعم النهج الشامل الذي يركز على الجوانب الفيزيائية والنفسية والروحية للكون والإنسان.
ومن بين هؤلاء العلماء يبرز اسم الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس، والذي يُعتبر ومدرسته البيثاغورية من المؤثرين في تطوير فكرة العالم الروحي والقوى الخفية، وتُنسب إليه فكرة أنه يمكن للأعداد الطبيعية أن تتجسد في علاقات ونسب تحكم الكون، وتعكس هذا الفكرة الاعتقاد في وجود هندسة الكون والتناغم الرياضي الذي يحكم الحياة.
لقد اكتشف فيثاغورس الذي كان ضالعًا في المعرفة الصوفية البابلية والمصرية، أن ذبذبات أوتار الآلة الموسيقية تُنتج أصواتًا متناغمة عندما تكون أطوال الأوتار أعدادًا صحيحة، و ربط بين الموسيقى والأعداد والهندسة، وآمن أن للأعداد قوى روحية وتأثيرات ميتافيزيقية وأنه يمكن استخدام الأعداد للوصول إلى أعماق الحقيقة وفهم أسرار الكون.
ومن العلماء والمفكرين الذين ربطوا دراسة المادة بما وراء المادة (الجوهر):
العالم الفيزيائي الكوانتمي نيلز بور: فقد قام بدراسة الفيزياء الكمية وربطها بالروحانيات وفكرة التوازن والتأثير الروحي على الواقع.
الفيلسوف رودولف شتاينر: والذي أسس تيارًا فلسفيًا يُعرف بالأنثروبوصوفيا، وربط بين العلم والروحانيات وبحث في علاقة الإنسان بالكون والطبيعة.
فإذا تبنينا فكرة فيثاغورس بأن للعدد قوى روحية كما تبنينا نظريته الهندسية، وقبلنا بقبول نيلز للطبيعة الاحتمالية كما قبلنا أبحاثه عن تكوين الذرة والجسيمات، لاستطعنا الفهم بشكل أدق وأعمق.
وهذا تماما ما سنركز عليه هنا، إذ أننا سنربط الأحزمة استعدادا لرحلات خلف الستار حيث النجوم والكواكب وقوى الطبيعة التي تسمى قديما بـ (الآلهة) وسنعرج على الأعداد ذات القوى الروحية ونكتشف معا أسرار العوالم الأخرى أو كما تسمى بفيزياء الكم بـ (الأكوان المتوازية)، وهذا اعترافا منا بأن الإنسان ليس مجرد جسد مادي ولا حتى جسد وعقل بل هو نفس أيضا، وقد تكون نفساً حائرة بل وربما غائرة بمستنقع الإنكار، لذلك سنركز على الجوانب الثلاثة ونعطي لكل منها حقه فنسلط الضوء على مواضيع ذات صبغة ميتافيزيقية مع ذكر الرأي العلمي بذلك.
بقلم د. غفران الحمو
المقال منشور بالعدد الثاني من صحيفة صدى الاتحاد التابعة لاتحاد المثقفين العرب
Discussion about this post